الزجل هو فن شعري لبناني عريق يمزج بين الإيقاع الموسيقي والتعبير الشعبي العفوي. يجسد هذا النوع من الشعر أحاسيس الناس ومعاناتهم وأفراحهم بطريقة مباشرة ومؤثرة. فيما يلي مجموعة مختارة من قصائد الزجل والشعر العامي اللبناني، تعبّر كل واحدة منها عن تجربة إنسانية فريدة.
الصومعه
أسعد سعيد
يا ريت عندي صومعه براس الجبل
أزرع قمح، قدامها، واحصد سبل
عيش فيها حر
وسنين عمري تمر
وكون فيها سر
لا الناس تعرفني، ولا اعرف حدا
بعيش في هالصومعة، وشو همني؟!
بزند الحنان، امي الحبيبة تضمني
والأم تعطيني
من عرق جبيني
موني تكفيني
لقمة عشاء وتنين، ترويقه وغدا
برتاح من صاحب عملني مرايتو
ت يحطني درجي بسلم غايتو
ومن بعدما يوصل
وعاغايتو يحصل
البغض يتأصل
بيناتنا، ونصير أكتر من عدا.
في هذه القصيدة، يتمنى الشاعر أن يعيش في صومعة بعيداً عن صخب الحياة، مكتفياً بالعيش البسيط والعمل في الأرض. يعبر النص عن رغبة في العزلة والابتعاد عن الماديات، حيث يجد الراحة في حب الأم والعمل بعرق الجبين.
زهرة من كل بستان
زغلول الدامور
(جوزف الهاشم)
كانو عيوني يفرحو ويكيفو
واليوم لا انضافو ولا عادو يضيّفو
طارو العصافير اللي كانوا بالقفص
مدري عا ايا غصن راحو يصيّفو
يا حولة الحلوين يا قطرة ندي
كرمالك العصفور عالشجرة غدي
لا ينشغل بالك ولا تتعقدي
ان شفتي البصدري كان يخفقلك هدي
متل الجمر بيفيق من تحت الرماد
كل ما الهوا تغلغل بقلب الموقدي
هالحلوة المن خدها فاح العبير
وشفافها انعم وأنهى من الحرير
وعاشعرها البيموج موجات الغدير
كل ما الهوا بيمر بيبلش يطير
كيف بقدر:
ومش تاركتني للصلا افضى كتير
وكل يوم عينيها عا قلبي بيفطرو
وكل ما أنجرحت بعيّد العيد الكبير
لا تمنعو الحلوة ألانا مجنونها
تتمرد ويطلع عليي جنونها
القلب البدون جروح جسم بدون روح
والجرح طيّب من سهام عيونها
تأخذنا هذه القصيدة إلى حالة من التأمل في تبدل الأحوال، حيث يستعيد الشاعر ذكريات الماضي الجميل مقارنة بحاضره المليء بالتغيرات. تشكل الصور الشعرية الرقيقة لوحات من الحنين والشوق للأيام الخوالي.
هديه
خليل روكز
يا ريت عندي وآخ لو فيي
عا قد حبي جبلك هديه
كنت بهديكي شذا الوردات
واسرار أحلام الطفوليه
وكنت بتعمشق على النجمات
بسحب شلل خيطان فضيه
وبكلف ملايك وحوريات
تحيكلك بلوزة ألوهيه
وبالبحر كنت بغافل السمكات
وبغطس متل فكر الحراميه
وبقطف زبد من رغوة الموجات
ومن جدايل شمس مرخيه
بكمش وهج بحولو بوسات
بلون اشواقي المورديه
ومن هون ببعتها مع النسمات
لهونيك لعيونك خصوصيه
والطفل كنت بقشطو البسمات
وبغرف من عيونو صفا نيه
وعرس الحياة بشلحو الغنجات
وكل شي معو لهتات عطريه
وبكلخ من جفون السحر دمعات
كلها غيره وحنيه
وبلفها بعيون خمريات
وبروح حافي بسلمك هيه
هنا يتغزل الشاعر بمن يحب بطريقة حالمة، حيث يتمنى لو كان قادراً على تقديم هدايا غير مألوفة، مثل ضوء النجوم وعطر البحر وزبد الموج. تحمل القصيدة طابعاً رومانسياً حالماً يعكس قوة العاطفة.
غزل
طانيوس عبده
ريتن يموتو الجوع هالنحلات
ليش عمبيحومو عليكي
بيستخلصوا العسلات والقطرات
ويرفرفو لك حول خديكي
ورح قوم اقصف عمر هالنسمات
ليش عم بيقربو ليكي
بيليعبو في شعرك الخصلات
وبيخربشو لك حد دينيكي
تخمين ليش ما بترشقي نبلات
صوب السما من جفون عينيكي
بتنزلي اربع خمسة نجمات
يتكتفو ويمشو حواليكي
من شعاعهم بيحيكو بدلات
من الحير بتغرمشو ديكي
ويفلشو رموشن على الطرقات
مطرح البتدوس رجليكي
يا زهر زنبق شي انفتح كمك
الطهر بيّك والعفاف امك
الناس تتحصر عا شم الورد
وأنت الورد محصور تايشمك
يا زنبق عملت النسيم عطار
يحمل عبيرك وين ما هب وطار
ويتحول عبوس الليالي نهار
هالبسمة البيضا العلى تمك
وين الايدين؟
الحطت أبريق الشتي فوق الحصير
وين شبابيك
الفات منها الصوت
متل الزمهرير
وين رمان السقف
مقطوف ومعلق
متل عمر الكبير
لك.. عنّ يا قلبي
متل ها النحل
جوات القفير
وقع العمر
ما بين ايد
وبين هزات السرير
في هذه القصيدة، يتحدث الشاعر عن جمال المحبوبة وتأثيرها الساحر على الطبيعة، حيث يناجيها بعبارات توحي بالتقديس والوله. يقدم وصفاً بديعاً لجمالها مستخدماً استعارات من عالم الطبيعة مثل النحل، الأزهار، والنسيم.
صار الصباح جنوب
طليع حميدان
القيت في مهرجان التبغ في الجنوب
ذوب يا شمع المنهنه ذوب
وعا شمعدان الشعر دمع سكوب
وعا سكب دمعك بسكب الأفكار
تا يسكر المسكوب عا المسكوب
نحنا صحاب البيت مش زوار
جينا عا هالأرض الملاني طيوب
مدري التقينا بفرد فلي زرار
مدري التقينا بفرد صدر قلوب
يا جنوبنا يا جنينة الأزهار
خمرك ندي بكاس الفجر مشروب
وزهراتك من بعلبك وعكار
وشمالنا وبقاعنا المحبوب
كل سني عليك منجي مشوار
مجية حروف الخضر عالمكتوب
بلاقيك مكتوب بحبر من نار
والانتصار بها الحبر مكتوب
صرت الشروق بشرقنا الجبار
والكل بعدك يا جنوب غروب
غيرت لغتنا بكل نهار
بيناتنا نسينا صباح الخير
وعا شفافنا صار الصباح جنوب
هذه القصيدة تتحدث عن الجنوب اللبناني وما يحمله من معانٍ وطنية عميقة. الشاعر يعبر عن فخره بأرضه وانتصاراتها، ويجسد الجنوب كرمز للصمود والتحدي.
“طفل المغارة”
علي الحاج القماطي
مغارة بمجدها للنجم جاره
بليلي مظلمي صارت مناره
منها الفجر شفّق من عشيي
وعليها النجم يعطينا اشاره
ساعة ما التجت ليها نقيي
بحبل من دون دنس كلو طهاره
وكان الوضع غفران الخطيي
وعلى قلوب البشر أعظم بشاره
بقصر فيه الفضائل مختفيي
ونصير الحق ما عندو جساره
ولد يسوع والرحمي سويي
بمزود فرشتو تراب وحجاره
لا قرايب ولا عيلي قويي
ولا املاك عندو ولا تجاره
المواشي وحدها كانت وفيي
بنفسها للطفل تعطي حراره
والتيجان بقصور العليي
دحرجها على باب المغاره
واللي حيّر عقول البريّي
ابن ساعة نطق اول عباره
والسر الالهي بهالقضيّي
عجيبي مولدو، وتاني عجيبي
العذارى توّلد وتبقى عذارى
قصيدة روحانية تحتفي بميلاد السيد المسيح، حيث يصور الشاعر المغارة كمصدر للنور والأمل في العالم. تعكس الأبيات معاني الطهارة والقداسة والتواضع الذي رافق هذه الولادة العظيمة.
مرايه
موسى زغيب
طلّت.. ببدله متل بدلة شجر أيلول
المن كم ورقه على الداير معرايه
والعنق مدري تلج مدري دهب مشغول
والشوق يحكي إلي بعيونها حكايه
وتفلّت زرار الصدر من عروة المريول
ويزرع بعيني العطش نظره بألف غايه
وتُصرخ طيور التلج من خوفها وتقول
دخلك اتركني بريئه متل ما جايه
وإتكي بكذب النعس عا وردها المخجول
إحلم بشمّه من الورده المندّايه
وما تقول كنّو الطلب مرفوض أو مقبول
تا يذلّ نَفسو الطلب ويصير ترجايه
قالت بتِسكّر؟ قلت ليل الدني المجهول
ما كان عتّق جرار الخمر لولايي
قالت بتعشق؟ قلت جنّيتي عاطول
وين ما بتدعس كأنو رنّ دهبايه
قالت عطيني شي صوره لجَفنها المكحول
تاشوف وجه الحبيبه الشغلك كفايه
تطلّعت فيها بنطرة عاشق ومقتول
وخبّيت كل الصور.. وعطيتها مرايه
في هذه القصيدة، يتناول الشاعر جمال الحبيبة بطريقة مليئة بالشغف، حيث يرسم صورتها من خلال تفاصيل دقيقة مثل عينيها المكحلتين وابتسامتها الخجولة. في النهاية، يمنحها مرآة لترى نفسها بنفس الجمال الذي يراها به.
تعكس هذه القصائد جمال الشعر العامي اللبناني، الذي يدمج بساطة التعبير مع عمق المعنى. من العزلة والتأمل إلى الحب والغزل، ومن الفخر بالوطن إلى القيم الروحية، يبقى الزجل صوت الشعب اللبناني ونبض مشاعره.